( الإنسان العربي في مواجهة الاستعمار والتجزئة )
نص الموضوع :
(استجاب أدبنا الحديث للتطورات المستجدة مع مطلع القرن العشرين واصفاً معارك المواجهة ومصوراً البطولات الجماعية والفردية مستنكراً جرائم المستعمر وممارساته معتزاً بمعارك المواجهة مصمماً على مواصلة النضال ومعبراً عن القيم السامية والدعوة على تحرير فلسطين ومؤكداً الروابط القومية .).
المقدمة :
كتب على العرب أن يكونوا في صراع دائم مع قوى الشر والعدوان فما إن سقط الاستبداد العثماني واستبشرت الأمة بعصر الحرية حتى وقفت فريسة بين أنياب المستعمر الأوربي الذي انطلق بجيوشه الجرارة يقتسم الوطن العربي فارضاً التجزئة بين أبناء الوطن الواحد ولذلك كان على الأمة أن تستمر في معارك المواجهة.
وصف المعارك غير المتكافئة :
وعندما وطأت أقدام الجيوش الأوربية أرضنا العربية هبت جماهيرنا تواجه المعتدين وتخوض أشرس المعارك التي برز فيها التباين بين السلاح التقليدي لجماهيرنا والآلة الفتاكة للمستعمر كما يقول الزركلي في معركة ميسلون1920 ضد فرنسا :
الطائراتٌ محوماتٌ حولها والزاحفات صراعهن شديد
تصوير البطولات : الجماعية :
وفي هذه المعارك برزت جماهيرنا مثلاً يحتذى به في البطولة والفداء عندما استرخصت الدماء وهي تواجه المستعمر الغاشم كما يقول الزركلي مصوراً بطولة شعبنا في معركة ميسلون :
غلتِ المراجل فاستشاطت أمةٌ عربيةٌ غضباً وثار رقودُ
الفردية :
وقد برز من صفوف شعبنا أبطالٌ ميامين حملوا راية النضال وقادوا المعارك الضارية بحكمة وبراعة فاستقوا أن يُخلدَ التاريخ أسمائهم ذخراً للأجيال كما يقول أحمد شوقي في المجاهد عمر المختار الذي قاد الثورة الليبية ضد المستعمر الإيطالي :
يا أيها السيف المجرد في العلا يكسوا السيوف على الزمان مضاءَ
التنديد بجرائم المستعمرين :
وقد كان للأدب دورٌ فعّال في معارك المواجهة عندما فضح الجرائم النكراء مندداً ومعتبراً ذلك جرائم بحق الإنسانية ليكسب التأييد العالمي للقضاية العادلة كما يقول الزركلي في فضحه جرائم الفرنسيين بقصفهم دمشق :
الله للحدثان كيف تكيدُ برد َ يفيض وقاسيون يميدٌ
أو كما قال شوقي مندداً بجريمة إعدام المجاهد عمر المختار:
ركزوا رفاتك في الرمال لواء يستنهض الوادي صباح مساءَ
التنديد بممارسات المستعمرين :
ومن جانب أخر أدرك الأدب خطر النواية الاستعمارية والسياسة الحمقاء والتي تترجمها الممارسات الحاقدة للمستعمرين مثل الأحكام الجائرة بحق الأحرار كالنفي والسجن والإعدام كما يقول الزركلي من الحجاز هرباً من حكم الإعدام مخاطباً سورية :
أقصيت عنك ولو ملكت أعنتي لم تنبسط بيني وبينك بيدُ
كما تجلت الممارسات الاستعمارية في إثارة الفتن والأحقاد بين الشعوب لقطع التواصل فيما بينها ولتبقى في دائرة الضعف والانعزال وذلك ما يتيح له السيطرة كما يقول أحمد شوقي :
ما ضرَّ لو جعل العلاقة في غدٍ بين الشعوب مودةً وإيخاء
ومن الممارسات الخطيرة التي نبه إليها الأدباء أساليب المكر والخداع التي عمد إليها المستعمر عندما تستر بشعاراتٍ كاذبة كالحماية والوصاية لكنه مارس النقيض من قتل وأجرام وسيطرة كما يقول الزركلي منبهاً سورية:
خدعوك يا أم الحضارة فارتمت تجني عليك فيالق وجنودُ
الاعتزاز بمعارك المواجهة :
وكي يعزز الأدب صمود الأمة وثقتها فقد عاد إلى التاريخ المجيد مستعرضاً الأيام المشهودة والمعارك الدامية التي غاضتها الأمة دون أن تهتز لها عزيمة ولو لم تحقق أهدافها بل استمرت في المواجهة انتقاماً من المعتدين كما يقول عمر أبو ريشة :
كم لنا من ميسلون نفضت عن جناحيها غبار التعبِ
التصميم على مواصلة النضال :
ومن هذا المنطلق غاض شعبنا المعارك الدامية مؤمناً بقوة الحق ومصمماً على تحقيق أهدافه المشروعة مهما كانت التضحيات كما يقول الزركلي مغبراً عن ذلك :
والشعب إن عرف الحياة فما له عن درك أسباب الحياة محيدُ
التعبير عن القيم السامية :
وفي هذا المجال يرفع الأدب أسمى آيات التقدير والإعجاب لجماهيرنا المناضلة وهي تخوض معارك الشرف من أجل المجد والعزة دون أن تبالي بالنتائج خسارة أم ربح كما يقول عمر أبو ريشة :
شرف الوثبة أن ترضي العلا غلب الواثب أم لم يغلبِ
التغني بانتصار وهزيمة المستعمر :
وأمام هذا الواقع النضالي المتميز والبطولات التي جسدها شعبنا والتضحيات الجسام التي قدمها كان لا بدَ لهُ أن يقطف ثمار النصر من شجرة الفداء وليسقط المستعمر مهزوماً يجرُ أذيال الخيبة كما يقول عمر أبو ريشة :
يا عروس المجد تيهي و اسحبي في مغانينا ذيول الشهب
درج البغي عليها حقبةً و هوى دون بلوغ الأرب
الدعوة إلى تحرير فلسطين والتصميم الأكيد على ذلك :
وفي غمرة الأحداث الدامية ظلت فلسطين في ضمير كل عربي وهي تعاني السيطرة الاستعمارية و الصهيونية وهنا يتوجه الأدب إلى العربِ جمعياً محرضاً على إنقاذ فلسطين وهي التي تمثل موقع القداسة في قلب كل عربي كما يقول أبو ريشة ممجداً وحدة الديانتين في فلسطين واعداً بالنصر والتحرير :
يا روابي القدس يا مجلى الثنا يا رؤى عيسى على جفن النبي
دون عليائك في الرحب المدى صهلةُ الخيل و وهج الغضب
تأكيد وحدة الأمة والروابط القومية :
وكذلك أدرك الأدب خطر الفعل الاستعماري المجرم عندما زرع الحواجز الوهمية بين أبناء الوطن الواحد فارضاً التجزئة لإضعاف الأمة وشل قدراتها معتمداً سياسة ( فرق تسد ) وهنا يندد الأدب بالتجزئة مؤكداً عراقة الأمة ووحدتها الأصيلة منذ فجر التاريخ وهذه الأحداث الأليمة لا تزيد الشعب الوحدوي إلا رسوخاً وعمقاً كما يقول عمر أبو ريشة :
لمت الآلام منّا شملنا ونمت ما بيننا من نسبِ
الخاتمة :
مرحلة جديدة من النضال ازداد فيها العربي تحرساً بأساليب المواجهة ضد قوى الشر والطغيان دون أن يبتلي بالصعاب مؤمناً بحتمية النصر يغزز الأدب صموده ويستنهض عزائمه راسماً له الحرية إلى المستقبل العربي المنشود الذي تسقط فيه كل قوى الطغيان وترتفع راية الحرية خفاقة في سماء العروبة .
انتهى الموضوع