موضوع المحور الأول (( الإنسان العربي في مواجهة الاستبداد العثماني ))
نص الموضوع : ( مع فجر النهضة ولد أدبٌ عربي ٌ جديد فضح طبيعة الاستبداد و استنكر جرائمه و ندد بممارسته لائما ً الشعب على صمته و استسلامه محرضا ً على المواجهة داعيا ً إلى حرية الرأي و أثاره الخالدة )
المقدمة :
بعد قرون دامية عصفت بأمتنا سببها الاستبداد العثماني الذي سيطر على قدراتنا ناشرا ً التخلف و الفقر و المرض و لكن لابدّ لشمس النهضة أن تشرق في ربوعنا على يد ّ رعيل من الأدباء و المفكرين و كان الأدب الحديث هو المبشر عندما انطلق رواده يحملون الكلمة سيفا ً في وجه المستبد و قد تعددت مواقف الأدباء و تنوعت لكنها تصب في تيار المواجهة .
فضح طبيعة العدوانية للاستبداد :
و من أولى المهام التي نهض بها أدبن الحديث فضح الطبيعة العدوانية الشرسة للمستبد الغاشم و التي تقوم على الطيش و الحَمَق و الرعونة لا تَعرِف للحق سبيلا ً و لا للعدل مكانا ً و هذا الكوكبي فضح هذه الطبيعة في قوله :
( المستبد يتحكم في شؤون الناس بإرادته لا بإرادتهم و يحكمهم بهواه لا بشريعتهم . )
أما خليل مطران فقد فضح هذه الطبيعة الحمقاء و الجائرة عندما قتل السلطان عبد الحميد الوزير مدحت باشا و للمداراة تناول مقتل بزرجمهر على يد كسرى فقال :
سخط المليك عليه إثر نصيحة فاقتصّ منه غواية و ضلالا
استنكار الجرائم :
و قد برز دور الأدباء أكثر عمقا ً و تأثيرا ً عندما فضحوا و نددوا بجرائم الاستبداد المروعة و التي ارتكبت بحق شعبنا العربي البريء فتلخطت يد المستبد بآثار الجريمة لتستحق لعنة الأجيال كما يقول الكواكبي:
( يضع كعب رجله على أفواه الملايين يسدّها عن النطق بالحق و التداعي لمطالبته )
أمّا جرائمه التي فاقت كلّ تصوّر لأنها جرائم بحق الإنسانية و ذلك عندما قتل المصلحين و الحكماء من أرباب الدولة كما يقول خليل مطران 0في قتل الوزير الدمشقي مدحت باشا آثر التغطية متحدثا ً عن بزرجمهر قال :
يا يوم قتل بزرجمهر وقد أتوا فيه يلبّون النداء عجالا
و لكن جرائمه الأكثر خطرا ً فهي التي نفذها بحق العلماء و رجال الفكر روّاد الأمة كي يقطع جذورهم و لتبقى الأمة في تيهٍ و ضلال . كما يقول الكواكبي :
( و الغالب أن رجال الاستبداد يطاردون رجال العلم و ينكّلون بهم فالسعيد منهم من يتمكّن من مهاجرة دياره ) .
التنديد بممارسات الاستبداد :
كما تعقّب الأدباء السياسة الإجرامية و المخططات العدوانية للاستبداد و التي جاءت تنفيذا ً لهذه النوايا المغرضة , و منها مصادرة الحقوق و الحريات كما يقول الكواكبي :
( المستبد عدو الحق عدو الحريّة و قاتلهما و الحق أبو البشر و الحرية أمهم )
و من الممارسات الأكثر خطورة على المجتمع العربي سعي المستبد على نشر الجهل و الأميّة ليبقى الشعب يتخبط في تيه ٍ من الجهل و العماء بعيدا ً عن كل أشكال التحضّر و الانفتاح كما يقول الكواكبي بهذه الممارسات :
( فكلُّ إدارة مستبدة تسعى جهدها في إطفاء نور العلم و حصر الرعيّة في حالك من الجهل )
أما إثارة الفتن و زرع بذور الشقاق بين أبناء الأمة عامة و أبناء الدين الواحد خاصة فقد كانت هدفا ً للمستبد يسعى إليه ليضعف الشعب و يدبّ التناحر بين أفراده كما يقول الكوكبي واصفا ً ذلك :
( المستبد يضغط على العقل فيفسده و يلعب بالدين فيفسده )
التنديد بسلبية الشعب :
ولم تغب عن ذاكرة أدباء عصر النهضة حالة الشعب الذي يرسفُ في قيود الذل و المهانة راضيا ً بذلك دون أن يتحرك في أعماقه إحساسٌ بالرفض فاستحق كل لوم ٍ و توبيخ ٍ لأنه عطل قواه و استسلم لإرادة المستبد كما يقول خليل مطران :
يبدون بشرا ً و النفوس كظيمة يجفلن بين ضلوعهم إجفالا
ناداهم الجلاّد هل من شافع ٍ لبزرجُمُهر فقال كلٌّ : لا , لا
التحريض على مواجهة الاستبداد :
و أمام هذا الواقع لم يكن أمام الأدباء إلاّ أن تعلوا أصواتهم داعية ً إلى استنهاض الهمم و مواجهة التحدي و استنفار الطاقات لإسقاط المستبد . مهما كانت التضحيات و قد برز التحريض بطريقة مباشرة كما يقول الكواكبي :
( المستبد يتجاوز الحد ما لم ير حاجزا ً من حديد فلو رأى الظالم على جنب المظلوم سيفا ً لما أقدم على الظلم )
و أحيانا ً كان التحريض بطريقة غير مباشرة كما يقول خليل مطران متسائلا ً أين الرجال ؟ هل فقدوا الرجولة ؟ و ذلك على لسان ابنة الوزير المغدور :
ما كانت الحسناء ترفع سترها لو أنّ في هذي الجموع رجالا
و أحيانا ً كان التحريض بطريقة بدعوة العلماء ليمارسوا دورهم في توعية العامة و إيقاظهم من غفوتهم ليكونوا الأداة الأقوى في المواجهة كما يقول الكواكبي :
( و العلماء هم أخوتهم الراشدون إن أيقظوهم هبّوا و إن دعوهم لبّوا و إلا فيتصل نومهم بالموت )
الدعوة إلى حريّة الرأي :
و لم يدع الأدباء وسيلة يمكن توظيفها في مواجهة الاستبداد إلا و دعوا إليها ومن ذلك حرية الرأي و تمجيد القلم الحر الذي يعتبر أسمى أشكال الحريّة الإنسانية كما يقول محمد حسين هيكل :
( فحريّة القلم هي المظهر الأسمى لحريّة القلم في أسمى صورها و مظاهرها )
الأثر الخالد إلى حرية الرأي :
و لم تكن دعوة الأدباء تلك إلا لأنهم يدركون الأثر الإيجابي للقلم الحر الذي تبقى كتاباته في ضمائر الشعوب حيّة تلهم العزائم و تشق طريق النصر كما يقول محمد حسين هيكل:
( و نحن ما نزال نرى ثمرات الأقلام منذ آلاف السنين الماضية هي التي تهز العالم حتى اليوم هزا ً ) .
الخاتمة :
إشراقة جديدة في دنيا العرب تفتحت من خلالها براعم الأمل و بزغت شمس الحرية التي طالما ترقبها العرب بعد ليل الاستبداد الدامس و يبرز الأدب الحديث بحلته الجديدة و مضامينه الجديدة متخذا ً من الكلمة و هجا ً يثير درب الأمة و يعزز الصمود و الثقة من أجل مستقبل متحرر يسقط فيه الاستبداد و رواسبه المزمنة ..
انتهى الموضوع