موضوع المحور الثاني :
(( الإنسان العربي في مواجهة الواقع الاجتماعي المتردي ))
نص الموضوع : ( تناول أدب عصر النهضة مظاهر البؤس الاقتصادي و الاجتماعي واصفا ً ذلك و باحثا ً في الأسباب داعيا ً للمعالجة بطريقة إصلاحية حينا ً و ثورية حينا ً أخرى كالجهل ، التشرد ، الفقر والاستغلال )
المقدمة :
إذا كان أدب عصر النهضة أدبا ً قوميا ً تناول قضايا الأمة و همومها القومية فإنه لم يكن بعيدا ً عن الجانب الاجتماعي بل كان في صميمه مدركا ً خطر الظواهر الاجتماعية التي خلفها الاستبداد و الاستعمار عائقا ً أمام تحرر الأمة و تقدمها و قد بحث الأدب الحديث بمجمل الظواهر السلبية .
ظاهرة الجهل :
أ – وصف ظاهرة الجهل و الأمية و التعرف على أسبابها :
و من أخطر الظواهر السلبية التي أدرك أدبنا الحديث خطرها على مستقبل الأمة ظاهرة الجهل و الأميَّة لأن الاستبداد حارب العلم و أغلق منافذ المعرفة ليبقى الشعب أسير مرض الجهل و مضاعفاته المزمنة كما يقول الرصافي :
إن كان للجهل في أحوالنا علل ٌ فالعلم كالطب يشفي تلكم العلل
ب- المعالجة الإصلاحية لظاهرة الجهل :
و أمام هذه الحالة المرضية التي شلّت إرادة العربي في التحضّر و الرقي لم يكن أمام الأدباء إلا ّ أن يجردوا أقلامهم بعاطفة ٍ صادقة ٍ داعين إلى التخلص من هذه الآفة بأشكال مختلفة .
1- الدعوة إلى بناء المدارس و دعمها :
و هنا ارتفعت الأصوات تحث العرب جميعا ً على النهوض بالعلم و ذلك من خلال تشييد المدارس بكثافة على امتداد الوطن و دعمها لتؤدي رسالتها العلمية كما يقول الرصافي :
ابنوا المدارس و استقصوا بها الأملا حتى نطاول في بنيانها زحلا
2- توظيف العلم لبناء الوطن و الإنسان :
و لم تكن الدعوات غائمة مجردة بل كانت محددة الأهداف و المقاصد تدل على رؤية ٍ مستقبلية عند الأدباء و ذلك ليكون العلم أداة ً لصقل الإنسان و تربيته و وسيلة بناء ٍ و تحضّر على كل ّ الصّعد كما يقول الرصافي :
لا تجعلوا العلم فيها كل ّ غايتكم بل علموا النشء علما ًينتج العملا
ربوا البنين مع التعليم تربية ً يمسي بها ناقص الأخلاق مكتملا
3- الدعوة إلى بناء جيل قادر ٍ على المواجهة زمن السلم و الحرب :
و قد أدرك الأدب أهمية العلم في تحصين الأمة و الدفاع عنها من خلال جيل ٍ متسلّح بالعلم و المعرفة قادر على مواجهة التحديات مهما عظمت فبالعلم وحده يمكن التغلب عليها كما يقول الرصافي :
فجيّشوا جيش علم ٍ من شبيبتنا عرمرما ً تضرب الدنيا به المثلا
إن قام للحرث ردَّ الأرض ممرعة ً أو قام للحرب دك َ السهل و الجبلا
4- بالعلم نؤسس لوحدة شاملة :
و في زمن تعاني فيه الأمة التفكك و الضعف فما أحوجنا لعلم ٍ متجانس في مدارسنا العربية و ذلك لإعداد جيل ٍ ثقافته واحدة و مواقفه واحدة يستطيع أن يبني أمته و يعيد و حدته كما قال الرصافي :
ثم انهجوا في بلاد العُربِ أجمعها نهجا ً على وحدة التعليم مشتملا ً
حتى إذا ما انتدبنا العُربَ قاطبة ً كنّا كأنّا انتدبنا واحدا ً رجلا
5- التذكير بالماضي المجيد و حضارة الأمة :
ومن أجل أن يوفر الأدباء للأمة كل مستلزمات البناء فقد استعرضوا صورة الماضي المجيد عندما تربعت أمتنا قمّة العلم و المعرفة و بشتّى أشكالها و كانت قبلة المتعلمين و هذا يجب أن يدفعنا إلى المضي في طريق العلم مستفيدين من قيم الأمة و تاريخها المجيد كما يقول الرصافي :
إن َّ لمن أمّة ٍ في عصر نهضتها بالعلم و السيف قبلا ً أنشأت دولا
ظاهرة تشرد الأطفال :
أ- وصف مظاهر بؤس الأطفال :
أما الظاهرة الأكثر خطرا ً على مستقبل الأمة فهي ما تتعرض له الطفولة من بؤس ٍ و شقاء و ضياع حيث فقدت الرعاية و الحماية و أضحت في مهب الريح يتقاذفها الفقر و الجوع و المرض كما يقول أحمد حسن الزيّات :
(( هؤلاء الأطفال المشردون هم الذين تراهم يطوفون طوال النهار و ثلثي الليل على القهوات و الحانات كما تطوف الكلاب و الهِررة ))
ب- أسباب ظاهرة التشرد :
و نظرا ً للنتائج الخطيرة المترتبة على ضياع الطفولة فقد راح الأدباء يبحثون عن الأسباب بعاطفة ً صادقة و إحساس عميق و رؤية ٍ لم تتجاوز دائرة الإصلاح عندما قرر الأدباء أنّ الفقر هو السبب الأهم و هو حالة قدرية أرادها الله لأسر دون غيرهم كما يقول الزيّات :
(( بالله ! ما ذنب هذا الطفل الشريد الذي تتحامون مسّه ، هل تستطيعون أن تجدوا لذلك- إذا وقع – علّة غير الفقير ؟ ))
ج – المعالجة الإصلاحية لظاهرة التشرد :
و دون أن يتجاوز الأديب الموقف الإصلاحي كانت دعوته إلى المعالجة عندما استنهض همم الأغنياء داعيا ً إلى محاربة الفقر بالصفات و الحسنات على الفقراء و المحتاجين فذلك يؤدي إلى تحسين سوية الطفولة كما يرى الأديب أحمد حسن الزيّات فيقول :
(( فاقتحموا على الفقر مكامنه في أكواخ الأيامى و أعشاش العجزة ثم قيدوه بالإحسان المنظّم في المدارس و الصدقة الجارية في الملاجئ ))
أو كما قال حافظ إبراهيم :
أنقذوا الطفل إن ّ في شقوة الطف ــل شقاءً لنا على كلِّ حال
أبدوا كلَّ مجمع قام للبرِّ بجاه يظلُّه أو بمال .
ظاهرة الفقر و الاستغلال :
أ- وصف مأساة الفلاح و التعرف على أسبابها :
أما الظاهرة التي أثارت اهتمام الأدب العربي في العصر الحديث فهي ظاهرة بؤس الكادحين و ما يتعرضون له من هجمةٍ شرسةٍ و من جوع ٍ و حرمان ٍ و تعرضٍ للموت و هم الفئة المنتجة التي تستنبت الأرض خيرا ً و عطاء و كما يقول عبد المعطي حجازي واصفا ً مأساة الكادحين في ريفنا العربي :
ولدت هنا كلماتنا
يا نجمة ً مسجونة ً في خيط ماء
يا ثدي ّأم لم يعد فيه لبن
ب- المعالجة الثورية لظاهرة الفقر والاستغلال :
و عندما أدرك الأدب العربي الحديث أن ّ السيطرة المطلقة للإقطاعيين على مقدرات الحياة و حرمان الكادحين مما أنتجته أياديهم بكل ظلم و تعسّف لذلك اختلفت طريقهم في المعالجة فلا بدّ من الثورة التي هي الحل الأمثل
1- النهوض بوعي الفلاح :
و كمقدمة للحل الجذري فقد انطلق الأديب الملتزم نحو الفلاح كي يلتقي بوعيه ليكون أداة الثورة و ذلك من خلال فهم الواقع و تحديد الأهداف التي تحقق له القدرة على مواجهة المستغل و هذا أحمد عبد المعطي حجازي يتجه للفلاح موقظا ً فيه الوعي فيقول :
يا من يصمُّ السمع عن كلماتنا
أدعوك أن تمشي على كلماتنا
كي لا تموت على الورق
أو
أين الطريق إلى فؤادك أيّها المنفي في صمت الحقول
لو أنني ناي ٌ بكفك تحت صفصافة
لأخذت ُ سمعك لحظة في هذه الخلوة
2- الثورة التي تسقط الظلم و الاستغلال :
و هنا يتجلى إيمان الأديب الملتزم بالثورة التي تبني مجتمع العدالة و تحقق المساواة و تسقط كل ّ أشكال الظلم و الاستغلال و هي التي ينهض بها الكادحون لأنها لهم و من أجلهم كما يقول أحمد عبد المعطي حجازي :
و تلوت في هذا السكون الشاعريِّ حكاية الدنيا
و نفضت كل ّالنار كلّ النار في نفسك
ضحية انتصار الكادحين :
و عندما تكون الجماهير الكادحة هي أداة الثورة فلا بد َّ أن تنتصر لأنها مؤمنة بحقّها مدركة لواقعها و مستقبلها مستعدّة للتضحية من أجل العدالة و المساواة هذا ما يؤكد عليه أحمد عبد المعطي حجازي في قوله :
و صنعت من نغمي كلاما ً واضحا ً كالشمس
عن حقلنا المفروش للأقدام
و متى نقيم العرس ؟
و نودع الآلام ؟ !
الخاتمة :
اتجاه ٌ جديد في الأدب الحديث تناول المجتمع العربي و الظواهر السلبية فيه و هنا يقف الأدب على الجبهة الاجتماعية يتصدّى لهذه الأمراض واصفا ً أخطارها راسما ً طرق العلاج برؤية ٍ تفاوتت بين الإصلاح و الثورة مؤمنا ً أن المعركة واحدة من أجل مجتمع ٍ عربي ٍّ متحرر قوميا ً و اجتماعيا ً .