ﺍﻟﺸﺠﺮﺓ ﻭﺍﻟﻄﻔﻞ
ﻓﻲ ﻗﺪﻳﻢ ﺍﻟﺰﻣﺎﻥ ، ﻛﺎﻥ ﻫﻨﺎﻙ ﺷﺠﺮﺓ ﺗﻔﺎﺡ ﺿﺨﻤﺔ . ﻭﻛﺎﻥ ﻫﻨﺎﻙ ﻃﻔﻞ ﺻﻐﻴﺮ ﻳﺤﺐ ﺃﻥ ﻳﺄﺗﻲ ﻭﻳﻠﻌﺐ ﺣﻮﻝ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺸﺠﺮﺓ ﻳﻮﻣﻴﺎً . ﻛﺎﻥ ﻳﺘﺴﻠﻖ ﺇﻟﻰ ﺃﻋﻼﻫﺎ ﻭﻳﺄﻛﻞ ﻣﻦ ﺛﻤﺎﺭﻫﺎ ﻭﻳﺄﺧﺬ ﻗﻴﻠﻮﻟﺔ ﺗﺤﺖ ﻇﻠﻬﺎ .
ﻟﻘﺪ ﺃﺣﺐ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻄﻔﻞ ﺍﻟﺸﺠﺮﺓ ﺣﺒﺎً ﺟﻤﺎ ، ﻛﻤﺎ ﺃﺣﺒﺖ ﺃﻥ ﺗﻠﻌﺐ ﻣﻌﻪ ﺃﻳﻀﺎً .
ﻣﻀﻰ ﺍﻟﻮﻗﺖ ﻭﻛﺒﺮ ﺍﻟﻄﻔﻞ ﻭﻟﻢ ﻳﻌﺪ ﻳﻠﻌﺐ ﺣﻮﻝ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺸﺠﺮﺓ ﻳﻮﻣﻴﺎً ﻛﻤﺎ ﻛﺎﻥ ﻳﻔﻌﻞ .
ﻭﺫﺍﺕ ﻳﻮﻡ ﺟﺎﺀ ﺍﻟﻔﺘﻰ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺸﺠﺮﺓ ﻭﻗﺪ ﺑﺪﺍ ﺣﺰﻳﻨﺎً . ﻗﺎﻟﺖ ﻟﻪ ﺍﻟﺸﺠﺮﺓ : " ﻫﻴﺎ ﺗﻌﺎﻝ ﻭﺍﻟﻌﺐ ﻣﻌﻲ ".
ﻓﺮﺩ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺍﻟﺼﺒﻲ ﻗﺎﺋﻼً : " ﻟﻢ ﺍﻋﺪ ﻃﻔﻼً . ﻟﻢ ﺃﻋﺪ ﺃﻟﻌﺐ ﺣﻮﻝ ﺍﻷﺷﺠﺎﺭ . ﺃﺭﻳﺪ ﺑﻌﺾ ﺍﻷﻟﻌﺎﺏ ، ﻭﺃﺣﺘﺎﺝ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﺎﻝ ﻟﺸﺮﺍﺋﻬﺎ ".
ﻓﻘﺎﻟﺖ ﺍﻟﺸﺠﺮﺓ ﻋﻨﺪﻫﺎ : " ﺃﻧﺎ ﺁﺳﻔﺔ ، ﻟﻜﻨﻲ ﻻ ﺃﻣﻠﻚ ﻣﺎﻻً . ﻟﻜﻦ ﻳﻤﻜﻨﻚ ﺃﻥ ﺗﻘﻄﻒ ﻛﺎﻓﺔ ﺛﻤﺎﺭ ﺍﻟﺘﻔﺎﺡ ﺍﻟﺘﻲ ﻋﻠﻲ ﻭﺗﺒﻴﻌﻬﺎ ، ﻋﻨﺪﻫﺎ ﺳﻴﺼﺒﺢ ﻟﺪﻳﻚ ﺍﻟﻤﺎﻝ ". ﺍﺑﺘﻬﺞ ﺍﻟﻔﺘﻰ ﻛﺜﻴﺮﺍً ﻭﺍﻟﺘﻘﻂ ﻛﺎﻓﺔ ﺍﻟﺘﻔﺎﺡ ﺍﻟﺘﻲ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺸﺠﺮﺓ ﻭﻏﺎﺩﺭ ﺑﺴﻌﺎﺩﺓ . ﻭﻟﻢ ﻳﻌﺪ ﺍﻟﻔﺘﻰ ﺑﻌﺪ ﺃﻥ ﺍﻟﺘﻘﻂ ﺍﻟﺘﻔﺎﺡ ، ﻓﺤﺰﻧﺖ ﺍﻟﺸﺠﺮﺓ .
ﻭﻓﻲ ﻳﻮﻡ ﻣﻦ ﺍﻷﻳﺎﻡ ، ﻋﺎﺩ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻔﺘﻰ ﺍﻟﺬﻱ ﺃﺻﺒﺢ ﺍﻵﻥ ﺭﺟﻼً ﻭﺳﻌﺪﺕ ﺍﻟﺸﺠﺮﺓ ﺟﺪﺍً ﻓﻘﺎﻟﺖ ﻟﻪ : " ﺗﻌﺎﻝ ﻭﺍﻟﻌﺐ ﻣﻌﻲ ".
ﻓﺠﺎﺀ ﺭﺩﻩ ﺑﺎﻟﺮﻓﺾ ﻛﻤﺎ ﻫﻮ ﻣﺘﻮﻗﻊ : " ﻟﻴﺲ ﻟﺪﻱ ﺍﻟﻘﻮﺕ ﻟﻠﻌﺐ . ﻋﻠﻲ ﺃﻥ ﺃﻋﻤﻞ ﻣﻦ ﺃﺟﻞ ﺃﺳﺮﺗﻲ .
ﻧﺤﻦ ﺑﺤﺎﺟﺔ ﺇﻟﻰ ﻣﻨﺰﻝ ﻛﻲ ﻧﺴﻜﻨﻪ . ﻫﻞ ﻳﻤﻜﻨﻚ ﻣﺴﺎﻋﺪﺗﻲ؟ " ﻓﻘﺎﻟﺖ ﻟﻪ : " ﺁﺳﻔﺔ ﻟﻜﻦ ﻟﻴﺲ ﻟﺪﻱ ﺃﻱ ﻣﻨﺰﻝ . ﻟﻜﻦ ﻳﻤﻜﻨﻚ ﺃﻥ ﺗﻘﻄﻊ ﺃﻏﺼﺎﻧﻲ ﻛﻲ ﺗﺒﻨﻲ ﻣﻨﺰﻟﻚ ". ﻓﻘﻄﻊ ﺍﻟﺮﺟﻞ
ﺟﻤﻴﻊ ﺃﻏﺼﺎﻥ ﺍﻟﺸﺠﺮﺓ ﻭﻏﺎﺩﺭ ﻓﺮﺣﺎً . ﻛﺎﻧﺖ ﺍﻟﺸﺠﺮﺓ ﻣﺴﺮﻭﺭﺓ ﻟﺮﺅﻳﺘﻪ ﺳﻌﻴﺪﺍً ﻟﻜﻦ ﺍﻟﺮﺟﻞ ﻟﻢ ﻳﻌﺪ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﻣﻨﺬ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺤﻴﻦ ، ﻓﺸﻌﺮﺕ ﺍﻟﺸﺠﺮﺓ ﺑﺎﻟﻮﺣﺪﺓ ﻭﺍﻟﺤﺰﻥ ﻣﻦ ﺟﺪﻳﺪ .
ﻭﻓﻲ ﻳﻮﻡ ﻣﺸﻤﺲ ﻭﺣﺎﺭ ، ﻋﺎﺩﺓ ﺍﻟﺮﺟﻞ ﻭﺷﻌﺮﺕ ﺍﻟﺸﺠﺮﺓ ﺑﺎﻟﺴﻌﺎﺩﺓ ﻟﺮﺅﻳﺘﻪ . ﻗﺎﻟﺖ ﻟﻪﻛﺎﻟﻤﻌﺘﺎﺩ : " ﺗﻌﺎﻝ ﻭﺍﻟﻌﺐ ﻣﻌﻲ "! ﻓﺮﺩ ﺍﻟﺮﺟﻞ : " ﺃﻧﺎ ﺃﻛﺒﺮ ﻓﻲ ﺍﻟﺴﻦ ، ﻭﺃﺭﻳﺪ ﺃﻥ ﺃﺑﺤﺮ ﻛﻲ ﺃﺳﺘﺮﺧﻲ . ﻫﻞ ﻟﻚ ﺃﻥ ﺗﻌﻄﻴﻨﻲ ﻗﺎﺭﺑﺎً؟ " ﻓﺮﺩﺕ : " ﺍﺳﺘﺨﺪﻡ ﺟﺬﻋﻲ ﻟﺒﻨﺎﺀ ﻗﺎﺭﺑﻚ . ﻳﻤﻜﻨﻚ ﺃﻥ ﺗﺒﺤﺮ ﺑﻌﻴﺪﺍً ﻭﺗﻜﻮﻥ ﺳﻌﻴﺪﺍً . ﻓﻘﺎﻡ ﺍﻟﺮﺟﻞ ﺑﻘﻄﻊ ﺟﺬﻉ ﺍﻟﺸﺠﺮﺓ
ﻟﺼﻨﺎﻋﺔ ﺍﻟﻘﺎﺭﺏ . ﺃﺑﺤﺮ ﺍﻟﺮﺟﻞ ﻭﻟﻢ ﻳﻌﺪ ﻟﻔﺘﺮﺓ ﻃﻮﻳﻠﺔ .
ﻭﺃﺧﻴﺮﺍً ﻋﺎﺩ ﺍﻟﺮﺟﻞ ﺑﻌﺪ ﻋﺪﺓ ﺳﻨﻮﺍﺕ . ﻗﺎﻟﺖ ﻟﻪ ﺍﻟﺸﺠﺮﺓ : " ﺃﻧﺎ ﺁﺳﻔﺔ ﻳﺎ ﻭﻟﺪﻱ ، ﻭﻟﻜﻦ ﻟﻢ ﻳﻌﺪ ﻫﻨﺎﻙ ﺃﻱ ﺷﻲﺀ ﺑﺤﻮﺯﺗﻲ ﻷﻗﺪﻣﻪ ﻟﻚ . ﻻ ﻳﻮﺟﺪ ﺣﺘﻰ ﺗﻔﺎﺡ ﻟﻚ . ﻓﻘﺎﻝ ﺍﻟﺮﺟﻞ : " ﻻ ﺑﺄﺱ ، ﻟﻴﺲ ﻟﺪﻱ ﺃﺳﻨﺎﻥ ﻟﻘﻀﻤﻬﺎ ". ﻓﻘﺎﻟﺖ :
" ﻟﻢ ﻳﻌﺪ ﻟﻲ ﺟﺬﻉ ﻛﻲ ﺗﺘﺴﻠﻖ ﻋﻠﻴﻪ ". ﻓﺮﺩ ﻋﻠﻴﻬﺎ : " ﻟﻘﺪ ﻛﺒﺮﺕ ﻋﻠﻰ ﺫﻟﻚ ﺍﻵﻥ ".
ﺛﻢ ﺃﺿﺎﻓﺖ ﺍﻟﺸﺠﺮﺓ ﺑﺪﻣﻮﻉ ﻣﻨﻬﻤﺮﺓ : " ﺃﻧﺎ ﺣﻘﺎً ﻋﺎﺟﺰﺓ ﻋﻦ ﺇﻋﻄﺎﺋﻚ ﺃﻱ ﺷﻲﺀ .
ﺍﻟﺸﻲﺀ ﺍﻟﻮﺣﻴﺪ ﺍﻟﻤﺘﺒﻘﻲ ﻫﻮ ﺟﺬﻭﺭﻱ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺤﺘﻀﺮ ". ﺛﻢ ﻗﺎﻝ ﺍﻟﺮﺟﻞ ﻋﻨﺪﻫﺎ " : ﻟﺴﺖ ﺑﺤﺎﺟﺔ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻜﺜﻴﺮ ﺍﻵﻥ ، ﻛﻞ ﻣﺎ ﺃﺭﻳﺪﻩ ﻫﻮ ﻣﻜﺎﻥ
ﻷﺭﺗﺎﺡ ﻓﻴﻪ . ﻟﻘﺪ ﺗﻌﺒﺖ ﺑﻌﺪ ﻛﻞ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺴﻨﻴﻦ . ﺟﺬﻭﺭ ﺷﺠﺮﺓ ﻋﺠﻮﺯ ﻫﻲ ﺍﻟﻤﻜﺎﻥ
ﺍﻷﻓﻀﻞ ﻷﺗﻜﺊ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺃﺭﺗﺎﺡ ". ﻓﻘﺎﻟﺖ ﻟﻪ " ﺗﻌﺎﻝ ﺍﺟﻠﺲ ﺇﻟﻰ ﺟﺎﻧﺒﻲ ﻭﺍﺭﺗﺎﺡ ". ﺟﻠﺲ ﺍﻟﺮﺟﻞ
ﻭﺳﺮﺕ ﺍﻟﺸﺠﺮﺓ ﻭﺍﺑﺘﺴﻤﺖ ﻭﺳﻂ ﺍﻧﻬﻤﺎﺭ ﺩﻣﻮﻋﻬﺎ ".
ﺍﻟﺤﻜﻤﺔ : ﺍﻟﺸﺠﺮﺓ ﻛﺎﻟﻮﺍﻟﺪﻳﻦ . ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻧﻜﻮﻥ ﺃﻃﻔﺎﻻً ﻧﺤﺐ ﺃﻥ ﻧﻠﻌﺐ ﻣﻌﻬﻤﺎ ، ﻭﻋﻨﺪﻣﺎ ﻧﻜﺒﺮ
ﻧﻐﺎﺩﺭ ﻭﻻ ﻧﻌﻮﺩ ﺇﻻ ﺇﺫﺍ ﺍﺣﺘﺠﻨﺎ ﺷﻴﺌﺎً ﻣﻨﻬﻤﺎ .
ﻭﻣﻬﻤﺎ ﻛﺎﻥ ﺍﻷﻣﺮ ، ﻟﻦ ﻳﺘﺮﺩﺩ ﺍﻟﻮﺍﻟﺪﺍﻥ ﻋﻦ ﺗﻘﺪﻳﻢ ﺍﻟﻐﺎﻟﻲ ﻭﺍﻟﻨﻔﻴﺲ ﻷﻭﻻﺩﻫﻤﺎ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻳﻈﻠﻮﻥ
ﺃﻃﻔﺎﻻً ﻓﻲ ﺃﻋﻴﻨﻬﻤﺎ .